كتب ستيورات باتريك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب استقبل في أغسطس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دون أي انتقاد لجرائمه في أوكرانيا، بل تعهّد بدعمه دبلوماسياً في تسوية تُشرعن الغزو والاحتلال. هذا الموقف لم يكن استثناءً، إذ يكشف عن إعجاب ترامب بالأنظمة السلطوية ونفوره من القيم الديمقراطية، على عكس أسلافه الذين تبنوا مشروع "العالم الحر". النتيجة هي أن الولايات المتحدة لم تعد راعية للديمقراطية بل قوة تتجاهلها، ما يهدد بتسريع صعود نظام دولي تقوده قوى استبدادية.

أشار تقريره المنشور على الموقع الإلكتروني لمؤسسة كارينجي إلى أن إدارة ترامب فككت البنية الأمريكية لدعم الديمقراطية بشكل غير مسبوق. أُغلقت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية وبرامجها المخصصة للديمقراطية، وحُلّ مكتب حقوق الإنسان في الخارجية، وأُوقف تمويل "المؤسسة الوطنية للديمقراطية" ومعاهدها، كما أُغلق جهاز الإعلام العالمي الذي يدير "صوت أمريكا" و"راديو أوروبا الحرة". أدت هذه الخطوات إلى تراجع أكثر من 80% من المساعدات المخصصة للنشطاء والإعلام المستقل والرقابة الانتخابية في العالم.

هذا الانسحاب جاء في وقت صعب: تراجع الديمقراطية مستمر منذ 19 عاماً، وللمرة الأولى منذ عقود أصبح عدد الأنظمة غير الديمقراطية يفوق عدد الديمقراطيات. الصين وروسيا تدعمان علناً الأنظمة السلطوية، بينما تواجه الديمقراطيات التقليدية استقطاباً داخلياً وتراجع ثقة بالمؤسسات.

في المحافل الدولية، غابت الولايات المتحدة كحليف للديمقراطيات الأخرى، بل أصبحت تدعم أحزاباً يمينية متطرفة في أوروبا، وتعاقب دولاً مثل البرازيل على ملاحقة رؤسائها السابقين. داخلياً، هاجمت الإدارة استقلال القضاء والإعلام والجامعات، وضيّقت على المهاجرين والمتظاهرين، ما يعكس تآكلاً للمبادئ الدستورية.

تجسدت السياسة الجديدة في قرار وزير الخارجية ماركو روبيو تقييد دبلوماسيي بلاده عن التعليق على نزاهة الانتخابات في الخارج. كما أصدرت الخارجية تقريراً مختصراً ومنحازاً عن حقوق الإنسان، تجاهل الانتهاكات في دول حليفة كإسرائيل والسلفادور، وركّز على خصوم مثل فنزويلا وجنوب أفريقيا، وحتى وجّه انتقادات لفرنسا وبريطانيا بسبب مواقفهما من اليمين المتطرف.

يرى الكاتب أن هذه القطيعة مع تقليد أمريكي ممتد منذ الحرب العالمية الثانية تُضعف النظام الدولي القائم على القواعد، إذ كان التضامن الديمقراطي ركناً أساسياً في بناء المؤسسات الغربية كحلف الناتو ومجموعة السبع ومنظمة التعاون الاقتصادي. بعد الحرب الباردة، توسعت هذه الشبكة وعزّزت مفهوم أن الديمقراطيات قادرة على تقديم التزامات موثوقة بفضل الشفافية والرقابة الداخلية. لكن إدارة ترامب تخلت عن هذا الإرث، ما يهدد بانهيار "العالم الديمقراطي" الذي كان أساس النظام الليبرالي.

تاريخياً، ارتبط الأمن العالمي بفكرة أن السلام يقوم على انتشار الديمقراطيات، كما قال وودرو ويلسون عام 1917: "يجب جعل العالم آمناً للديمقراطية". لكن رفض ترامب لهذا المنطق يضعف فرص التعاون ويُعمّق الانقسامات.

بعض الواقعيين رحبوا بهذا التحول، معتبرين أن التركيز على الديمقراطية يرهق الولايات المتحدة ويعقّد علاقاتها مع القوى الكبرى. طرح هؤلاء نموذج "مؤتمر أوروبا" في القرن التاسع عشر، حيث تعاونت قوى ليبرالية ومحافظة رغم اختلاف أنظمتها. بالفعل، يشهد العالم اليوم صعود أطر مرنة مثل مجموعة العشرين وائتلافات "G-x"، التي تجمع قوى مختلفة لتنسيق سياسات مرحلية.

مع ذلك، يحذر الكاتب من أن التخلي الكامل عن البعد الديمقراطي خطأ جسيم. فالديمقراطيات والأنظمة الاستبدادية لا تشترك في الرؤية نفسها للنظام الدولي، ولن تتفق على قضايا أساسية مثل حرية التعبير أو معايير استخدام الذكاء الاصطناعي. لذلك، تحتاج الديمقراطيات إلى شبكات خاصة بها تدافع عن قيمها وتمنع الأنظمة الاستبدادية من السيطرة على المؤسسات متعددة الأطراف.

يدعو التقرير إلى بناء شبكة شمالية جنوبية من الديمقراطيات، تضم بلداناً ناشئة مثل البرازيل والهند وإندونيسيا وجنوب أفريقيا، إلى جانب الديمقراطيات الغربية الكبرى. الهدف هو تبادل الخبرات، دعم المجتمعات المفتوحة، ومنع الاستبداد من فرض أجندته على النظام الدولي.

يخلص الكاتب إلى أن عودة ترامب أضعفت "ترسانة الديمقراطية" العالمية، ووضعت النظام الليبرالي في مهب الانهيار. لكن الفرصة لا تزال قائمة إذا تعاونت الديمقراطيات بعيداً عن الاعتماد المطلق على الولايات المتحدة، وبنت شراكات جديدة أكثر شمولاً وعدلاً لحماية القيم المشتركة.

https://carnegieendowment.org/research/2025/08/democracy-promotion-trump-putin-europe?lang=en